مباراة مثيرة غريبة غاب عنها الجمهور لأول مرة في تاريخ لقاءات القمة ، و حقيقة أتمني أن يجيبني العبقري الذي رفع قيمة تذكرة الدرجة الثالثة إلي 40 جنيهاً عن رأيه بعد المباراة في هذا القرار الغير مدروس .
ما رأيه في مباراة دربي لم يشاهدها إلا عدد لم يتجاوز العشرة آلاف متفرج ، هل رهانه كان علي غياب جماهير الأهلي مقابل جماهير زملكاوية حضرت المباراة بسعر مخفض فتخفف الضغط الجماهيري عن الزمالك ؟ ، هل الرهان كان علي حضور مكثف في يوم عيد تضمن به إيراداً خيالياً ؟ ، فلم يفز الزمالك بأي من الرهانين ، فجمهور الأهلي علي قلته كان عشرة أضعاف جمهور الزمالك ، و بالتالي كان صوت جمهور الأهلي هو الأعلى و المؤثر في مباراة كان يحتاج فيها الزمالك لجمهوره مع بداية عهد تدريبي جديد ، و لم يحقق الزمالك إيراداً في مباراة تعتبر الأعلى دائماً في إيرادات الناديين .
لم أجد حقيقة تفسيراً منطقياً لهذا القرار العجيب برفع أسعار التذاكر بهذا الشكل ، و إن أدهشني حجم التضليل الذي خرجت به تصريحات ممدوح عباس رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك و علاء مقلد مدير عام النادي بالقول أن النادي الأهلي سبق الزمالك في هذا الأمر ، فإن تخطيء في قرارك أو تقديرك للأمور هذا أمر ، أما أن تحاول التضليل و الضحك علي جماهير الكرة بهذا الشكل المضحك و المثير للحساسيات فهذا أمر آخر ، و حقيقة فإن ما حدث من إدارة نادي الزمالك يعد موقف غير مسئول علي الإطلاق ، موقف خسر فيه الزمالك كل شيء ، فلا مساندة جماهيرية و لا إيراد و المباراة نفسها خسرها الفريق ، أي خسارة ثلاثية الأبعاد ، و ما حدث جعلني أتساءل ... هل أصبحت مباريات الأهلي عيداً عند جميع الأندية تنتظره بشغف لتملأ خزائنها من جماهير الأهلي و لا فرق بين الكروم و طنطا و الزمالك ؟ ، و هل هو اعتراف صريح بأن عصر القطبية انتهي ليبدأ عصر القطب الواحد ؟ ، عموماً هذا قدر الأهلي و جماهيره ، فدائماً و أبداً سيظل الأهلي مصدر سعادة الجميع .
من ناحية أخري لم تدهشني الفرحة العارمة لجمهور الزمالك بعد اللقاء الذي انتهي بفوز الأهلي بهدفين لهدف واحد بعد أداء حماسي عشوائي من فريق الزمالك فنفس هذه الفرحة شاهدناها في مباراة الأهلي و الزمالك الأولي بدوري أبطال أفريقيا 2005 ، وقتها شهدنا نفس الفرحة و العناوين البراقة التي تفيد بأن الزمالك قد عاد و أغلق ملف الهزائم للأبد ، فمجريات المباراة فنياً شهد تفوقاً تكتيكياً للأهلي رغم التعديلات الاضطرارية بالفريق نتيجة إصابة لاعبين بالفريق مقابل أداء حماسي عشوائي غلب علي أداء فريق الزمالك ، فقد تعودنا علي هذا بعد أي مباراة يبدو فيها فريق الزمالك جيداً ظاهرياً فقط .
بدأ الأهلي المباراة بتشكيله الهجومي المعتاد و دخل أحمد السيد بديلاً لوائل جمعة الذي أصيب بشد عضلي أثناء الإحماء ، و كان التشكيل مكون من عصام الحضري و عماد النحاس و أحمد السيد و شادي محمد و أحمد شديد و أحمد صديق و حسام عاشور و محمد شوقي و محمد أبو تريكة و عماد متعب و فلافيو ، و أثر دخول أحمد السيد المفاجئ علي الأداء الدفاعي للنادي الأهلي ، فمباراة الأهلي و الزمالك دائماً ما تحتاج تجهيزاً نفسياً و بدنياً و خططياً خاصاً ، و الدخول المفاجئ للاعب مهيأ للجلوس علي دكة البدلاء يجعل الأمر أكثر صعوبة خاصة مع تكليفه برقابة لاعب بحجم عمرو زكي ، فوائل جمعة معد نفسياً و بدنياً و خططياً لرقابة عمرو زكي علي العكس من أحمد السيد و لهذا تفوق عمرو زكي علي أحمد السيد نسبياً و إن كانت خطورة عمرو في أغلب الأحيان تأتي من تسديدات من الأجناب سهل علي الحضري التصدي لها بغلق زاوية التصويب ، و جاءت إصابة شوقي المفاجئة قبل نهاية الشوط الأول و نزول محمد صديق لتختلط أوراق خط الوسط بالأهلي في ظل عدم وجود حسن مصطفي علي دكة البدلاء لسبب غير معروف .
بينما لعب الزمالك بتشكيل يغلب عليه الطابع الدفاعي و مثله عبد الواحد السيد و وائل القباني و يامن بن ذكري و إبراهيم سعيد و طارق السيد و يوسف حمدي و علاء عبد الغني و أحمد عبد الرءوف و محمد أبو العلا و جمال حمزة و عمرو زكي ، و كان عمرو زكي و إبراهيم سعيد نقطة ضعف بالفريق ، فإبراهيم سعيد اهتم بالجمهور الذي نجح في إخراجه كالعادة عن شعوره و تركيزه ، و عمرو زكي ظهر و كأنه لا يشعر أن كرة القدم لعبة جماعية ، و رغم مجهوده الوافر و إرهاقه لدفاعات الأهلي إلا أن نرجسيته الشديدة و تركيزه علي إحراز هدف ينسب له كمجد شخصي غلب علي أدائه فضاعت جماعية الهجوم الزملكاوي و جاءت أغلب هجماته عشوائية غير منظمة و لم نشاهد لا جملة تكتيكية و لا هجمة منظمة تشعر معها أن الزمالك جاهز فنياً للمباراة ، فما شاهدناه لم يخرج عن حماس كبير تصحبه مهارات فردية يريد أصحابها عرض أنفسهم أمام هنري ميشيل الجالس علي دكة البدلاء .
لعب الأهلي المباراة بتكتيك واضح يعتمد علي السيطرة علي وسط الملعب مع رقابة مفاتيح لعب الزمالك ممثلة في عمرو زكي و جمال حمزة ، مع تنظيم هجمات سريعة من الأطراف و العمق تعتمد علي التفاهم الواضح بين ثلاثي الهجوم فلافيو و تريكة و متعب و بالفعل أثمرت خطة مانويل جوزيه عن هجمات عديدة خطرة تأثرت كثيراً بتراجع مستوي محمد أبو تريكة الذي لعب المباراة و هو يعاني من إصابة أثرت كثيراً علي إنهائه للهجمات و إن صنع الهدف الأول الذي أحرزه فلافيو باقتدار كبير ليفتتح احتفاله بعيد ميلاده السابع و العشرين ، و كانت هجمات الأهلي مركزة للدرجة التي ارتبكت معها خطوط الدفاع الزملكاوية و اهتزت بشدة ، فنجح فلافيو في التغلب علي رقيبه إبراهيم سعيد في أغلب الإلتحامات بينهما و نجح في تخطيه و صنع عدة فرص خطيرة بينما فشل يامن بن ذكري في رقابة عماد متعب الذي نجح مع فلافيو و تريكة في خلخلة دفاعات الزمالك طوال الشوط الأول و بعض فترات الشوط الثاني .
كان دفاع الأهلي مهتزاً بعض الشيء نتيجة الدخول الاضطراري لأحمد السيد بديلاً لوائل جمعة و لم يكن السيد مهيأ لبدء المباراة كما أسلفنا ، و تسبب أحمد صديق في ضربة جزاء صحيحة أنقذها الحضري باقتدار شديد ، و رغم ضربة الجزاء إلا أنه يحسب لأحمد صديق تماسكه و تركيزه الشديدين في أولي مبارياته أمام الزمالك و أدي مباراة من أجمل مبارياته هذا العام و كان صانع الهدف الثاني بعرضية رائعة علي رأس فلافيو عريس الليلة ، و رغم اهتزاز دفاع الأهلي إلا أن خطورة نادي الزمالك لم تأتي في أغلبها إلا من تسديدات من خارج المنطقة أو من اختراقات جانبية تكفل الحضري معها بإغلاق مرماه ، فأسهل التسديدات علي حارس المرمي هي التي تأتي من أجناب الملعب ، و تمثلت باقي خطورة الزمالك في اختراقات فردية لجمال حمزة و عمرو زكي و مصطفي جعفر لم تكلل بالنجاح ، و مجملاً استطاع الأهلي الخروج من المباراة بالنقاط الثلاث رغم إصابة لاعبين مؤثرين في صفوفه و تغييرهما و لعب تريكة و هو غير مكتمل الشفاء ، و ما لفت انتباهي في تشكيلة الأهلي عدم اشتراك نادر السيد رغم وضوح إصابة الحضري بالشوط الثاني و هي علامة استفهام واضحة تحتاج لمن يحل رموزها ، أما الحديث عن تغيير صديق بعد نزوله مكان شوقي فسيكون عبثياً ، فأي تغيير قد يحالفه الصواب أو يجانبه و الأساس مدي توفيق اللاعب في أداء تكليفاته و سبق للاعب أن لعب في نفس المكان أمام كلوب أمريكا و كان موفقاً .
أما الزمالك فرغم تشكيلته الدفاعية إلا أن حماس لاعبيه جعل لهم شكلاً هجومياً في الملعب سرعان ما كلل بضربة جزاء أهدرها عمرو زكي الغير مكلف بالتسديد لضربات الجزاء و لكن من الواضح أن نرجسيته تسببت في أن يتركه الجهاز الفني ليسددها ببدائية لينقذها الحضري بمهارة ، و ظهر أن محمود سعد استخدم عمرو زكي ليسحب قلبا الدفاع معه للقادمين من الخلف كمحمد أبو العلا و علاء عبد الغني و طارق السيد إلا أن القادمين من الخلف لم تسعفهم مهاراتهم لتنفيذ خطة سعد و بعد ضياع ضربة الجزاء اختلطت الأوراق و ضاعت معالم خطة محمود سعد الذي لم يستطع فعل شيء إلي نهاية الشوط الأول ، بل ترك للاعبيه العنان ليفعل كل منهم ما يحلو له في الملعب ، فإبراهيم سعيد مهتم بالجمهور أكثر من اهتمامه برقابة فلافيو و عمرو زكي مهتم بوعده لجمهور الزمالك بإحراز هدف في مرمي الحضري أكثر من اهتمامه بفوز الزمالك و فعل به فلافيو ما يريد ، و يوسف حمدي و طارق السيد اهتما بالهجوم فلعب أحمد صديق و أحمد شديد قناوي خلفهما و فتحا شوارع في دفاعات الزمالك ، و لو كان تريكة في حالته الطبيعية لاستقبلت شباك الزمالك رقماً قياسياً من الأهداف فما أكثر الفرص التي أتيحت له سواء للتهديف أو التمرير لزميل منفرد إلا أن إصابته أثرت عليه تأثيراً كبيراً ، و رغم رقابة علاء عبد الغني اللصيقة له إلا أنه استطاع كثيراً أن يتخلص منه إلا أن سوء التوفيق لازمه و تجاهل الحكم التشيكي ضربة جزاء واضحة له في الشوط الثاني لا يختلف عليها اثنين .
كان لحماس لاعبي الزمالك الدور الكبير في ظهور الزمالك بشكل جيد ظاهرياً ، و لكن الحقيقة أن الزمالك أمامه الكثير و الكثير ليعود كما يحلوا لمحبيه أن يكون ، الفريق ينقصه تنظيم دفاعي كبير في خطي الدفاع و الوسط ، و الهجمات المرتدة عليه تمثل خطراً كبيراً لا يأمن جانبه ، و خط وسط الفريق لا يؤدي واجبه كما ينبغي ، فالهجمات المرتدة تصل من منطقة جزاء أي فريق يلاقي الزمالك إلي منطقة جزاء الزمالك بسهولة بالغة و في نقلات قليلة ، بينما في المقابل يعاني أي فريق في عمل هجمات مرتدة سريعة أمام الأهلي نتيجة التنظيم الجيد لخطوطه خاصة خط الوسط ، و هنا الفارق الكبير الذي لم يستطع محمود سعد أن يعالجه ، فرغم وجود ثلاثة لاعبين في الارتكاز الزملكاوي إلا أن شوقي و عاشور منحا السيطرة للأهلي في ظل وجود تنظيم دفاعي لم يربكه إلا هجمات فردية عنترية ، و أري أن الإيجابية الواضحة لسعد في اللقاء كانت في نزول أسامة حسن ليدعم طارق السيد الذي اخترق أحمد صديق جبهته كثيراً فاستطاع إغلاقها و أحرز هدف الزمالك الوحيد من ضربة حرة مباشرة ، في الوقت الذي تردد فيه سعد في إشراك إينو و قد يكون للتيشيرت الأحمر الذي رفعته جماهير الأهلي و يحمل رقم 27 تأثيره علي قرارات محمود سعد .
الخلاصة أن الزمالك لم يعد كما يشعر البعض فالفريق أمامه الكثير من الجهد و التدعيم في مراكز كثيرة ، و ما شهدناه هو نسخة مكررة من لقاء الذهاب في دوري أبطال أفريقيا ، فريق يلعب بتنظيم و تكتيك واضح ، و فريق يلعب بالحماس و المهارات الفردية لبعض لاعبيه و لن أستغرب إن طالب البعض بصرف مكافأة إجادة للاعبين ، فالظروف الاضطرارية للأهلي هي التي جعلت الزمالك بهذا الشكل ، و الدليل أننا لم نشاهد هجمة منظمة واحدة للزمالك طوال المباراة .
يتبقي التحكيم ، و رغم أن كثيرين أكدوا تحامل الحكم علي الأهلي في كثير من اللعبات و أكدوا تجاهله لضربة جزاء واضحة لأبو تريكة و أخري لمتعب ، كما تجاهل اعتداء بدون كرة من يوسف حمدي ضد أحمد شديد قناوي و احتسب ضربة حرة غير صحيحة جاء منها هدف الزمالك الوحيد ، إلا أن التحكيم في النهاية يظل جزءاً من اللعبة و علينا جميعاً تقبل قراراته سلباً و إيجاباً ، و قرار الحكم يصدر في ثانية .
و بنهاية مباراة اليوم وصل رقم النادي الأهلي في عدد المباريات المتتالية و التي خاضها ببطولة الدوري بدون هزيمة إلي الرقم 70 ، و في الوقت نفسه وصل رقمه في عموم المسابقات المحلية " الدوري العام و كأس مصر و كأس السوبر " إلي رقم 77 مباراة متتالية بدون هزيمة و الأرقام قابلة للزيادة بمشيئة الله ، و كانت الأرقام السابقة باسم الزمالك في الدوري بـ 52 مباراة ، و في عموم المسابقات المحلية بـ 54 مباراة .